الجمعة، 30 ديسمبر 2011

التكليف

التكليف

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ولمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد..
فمن الثابت أن العقيدة الأهم في ديننا الإسلام فإنها إن صحت صح العمل، وإن العقيدة مصدرها الصريح من القرآن والصحيح الصريح من السنة وفق قواعد علم الأصول وبحسب فهم الصحابة رضوان الله عليهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبرهم أفضل القرون بقوله خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم والناس اليوم بأمس الحاجة إلى من يسهل لهم حقائق الإسلام المطروحة بطريقة تتواءم مع مبادئ العقل الفطرية والإسلام لا يتناقض فيه العقل الصريح مع النقل الصحيح والفطرة السليمة والواقع الموضوعي والإسلام يعتمد على القرآن الصامت (الكون) والقرآن الناطق فالقرآن الصامت خلق الله والقرآن الناطق كلام الله المنزل من لدن الله، فالقرآن الصامت تستقرأ قوانينه من الطبيعة والقرآن الناطق تستنبط قواعده من الكتاب والسنة الصحيحة الصريحة.
القرآن الصامت قوانينه تنظم ظواهر الكون والقرآن الناطق قواعده تنظم سلوك المسلم الخاص والعام، ويعد النبي صلى الله عليه وسلم المطبق للقرآن فهو قرآن يمشي على الأرض فهو صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة والإسلام له جانب سلوكي هو ما ينبغي أن يفعل وما ينبغي أن يفعل ويشترط في قبول الفعل والإيمان بالإسلام يقتضي معرفة عقيدة الإسلام معرفة يقينية بها والإيمان بالله رباً ومحمداً نبياً ورسولاً والإيمان بالأنبياء والرسل من قبله والنبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والرسل جميعاً وكل الرسل بعثوا لأقوامهم والنبي صلى الله عليه وسلم بعث للناس كافة إلى أن تقوم الساعة.
الأنبياء والرسل دينهم الإسلام من لدن آدم إلى خاتم الأنبياء والرسل صلى الله عليه وسلم جميعاً. ويجب على المسلم أن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره والعبادة لله تعالى الشعائرية الدعاء والذكر والصلاة والصيام والزكاة والصدقة والعمرة، والعبادة التعاملية غير الشعائرية فعل الخير الذي يراد به رضا الله. وثمرة الإسلام سعادة الدارين.
والمؤمن كي يحافظ على الإسلام لا بد له أن يراقب الله في السر والعلن.
يشترط في التكليف الإسلام والعقل والاختيار والاستطاعة ومعرفة الحكم ، والمسلم يعرف أولاً أن هذا الحكم من عند الله تعالى والمعرفة أن الحكم من عند الله تعالى بنقل صحيح صريح يؤدي إلى الخشية والمعرفة بنقل صحيح صريح هو الجانب العقلي والخشية هي الجانب الوجداني والتطبيق هي الجانب السلوكي العملي.
الجانب العقلي هو الجانب المعرفي والجانب القيمي هو الجانب السلوكي بالنسبة للخير والأخلاق والجانب الوجداني بالنسبة للجمال.
الجانب المعرفي هو الجانب المتعلق بالحقيقة ومصدره بالنسبة إلى الجانب الموضوعي الملاحظة والتجربة وبالنسبة للجانب العقلي مبدأ السببية ومبدأ عدم التناقض.
ومبدأ الغائية ويتعلق بالجانب القيمي الخلقي والجمالي، والجانب العقلي يتعلق باكتشاف الواقع الموضوعي والجانب الذاتي يكتشف بالبصيرة والعقل يكشف القواعد الفطرية، والأحوال الشعورية.
أما عالم الغيب فهو يكتشف بالوحي الصحيح الصريح. وكذلك ما ينبغي أن يفعل.
وما ينبغي أن يفعل يعرف بالنقل الصحيح الصريح والإسلام معرفة ثم طاعة وثمرة الطاعة السعادة في الدنيا والآخرة والسعادة تتعلق بالجانب الجمالي والطاعة هي الجانب السلوكي والمسلم يعرف الإسلام ثم يطيعه ثم يستمتع بالطاعة ، والاستمتاع هو الجانب الجمالي.
القرآن الصامت:
القرآن الصامت هو الكون وللكون ينطق بلسان حاله بأن الله موجود وبأنه واحد أحد وبأنه كامل.
فالكون لا بد له من مكون والتشابه الذي يتجلى في قوانين الكون التي لا نرى فيها من تفاوت فأنت إذا دخلت معرض لرسام ترى من خلال التشابه بين اللوحات أن راسم هذه اللوحات فنان واحد.
وجود الرسام مسألة بديهية لأن العدم لا يرسم.
الكون يدل في دقته على كمال الله تعالى.
العقل:
العقل مناط المعرفة والمعرفة مناط التكليف ولا يكلف ما لا يعرف ما ينبغي أن يكون والعارف لا بد أن يكون عاقل والعقل يبدأ بالقدرة على فهم التكليف وقت البلوغ ولا يعد المكلف مكلفاً ما لم يستطيع تطبيق التكليف وعالم ما الذي كلف به، والعقل أداة المعرفة ومبادئ العقل تتوافق مع مبادئ الكون والعقل لا يفهم شيئاً بلا سبب ولا يفهم شيئاً بلا غاية والعقل لا يقبل شيء ونقيضه.
نحن نعرف بأن الله واحد أحد بالفطرة والله هو الذي وحده الذي يعلم نفسه تمام العلم فهو وحده الذي يعرف ما يريد أن نعرفه عن نفسه وماذا يريد منا أن نفعل وهو لا يسأل عما يفعل لأن الإله لا يسأل عما يفعل والمسؤول هو الذي يجب أن يسأل.
نحن نحب المعرفة بفطرة فطرنا الله عليها ونحن نحب الخير والجمال بفطرة فطرنا الله تعالى عليها.
قال تعالى: ﭽ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ الشمس: ٧ – ٨، ﭽ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﭼ القيامة: ١٤ – ١٥، ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﭼ الروم: ٣٠.
والإنسان خلق الله له دوافع والدوافع حيادية وهي إما تدفعه إلى الخير أو إلى الشر والنية هي التي تدفعنا إلى فعل الخير أو إلى فعل الشر، فإن دفعتنا إلى الخير طمعاً في رضى الله فنحن له عابدون فإن تركنا الشر خوفاً من سخطه فنحن له عابدون.
إرضاء الله يرضينا بسعادة الدارين لأن الجزاء من جنس العمل فنحن نعطيه بحسب قدرتنا وهو سبحانه يعطي بحسب قدرته وما أدراك ما قدرة الله !!
عطاءنا محدود وعطاؤه بلا حدود عطاءنا في زمان محدود وعطاءه بلا زمن، العطاء بلا زمن عطاء في الأبد.
العقل له جانب فكري وجانب شعوري وجانب سلوكي وللسلوك إقدام وإحجام والتقبيح والتحسين فطرة فطرنا الله تعالى عليها فالعقل السليم لا يتعارض مع الفطرة العقلية والشرعية.
والتعارض مع الفطرة انحراف ، قال تعالى: ﭽ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭼ الكهف: ٢٩.
وهذه الآية صريحة في أن الإنسان مخير فيما له فيه اختيار، قال تعالى: ﭽﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ البقرة: ١٤٨.
قال تعالى : ﭽ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﭼ الإنسان: ٣.
الخطاب التكليفي : طلب والطلب إما طلب بالأمر أو بالنهي والطلب يقتضي التخيير ومن لم يستطيع تطبيق الطلب فهو ليس مكلف والطلب طلب فعل أو طلب ترك والطلب السليم طلب فعل مفيد للإنسان أو ترك ضار والله سخر الكون للإنسان ليفيده فمعرفتنا للفائدة تجعلنا نفعل الخير ونترك الشر والخير صفة للسلوك الذي يقصد به فعل الخير وترك الشر والذي يراد به إرضاء الله تعالى عباده وما يراد به رضا غير الله رياء.
الاقتناع إذا تحول إلى حماس صار سلوكاً واليقين يؤدي إلى الحماس والحماس للخير يؤدي إلى فعله والخوف من الشر يؤدي إلى تركه ومراقبة الله تعالى تجعلنا نعمل لليوم الآخر طمعاً في رضى الله واجتناب سخطه.
ونحن إذا تيقنا بالله ربنا أحببناه حباً لا يشبه أي حب آخر وأصبح كل حب آخر تبعاً له.
فاللذة متعة بالزائل والسعادة حباً للدائم وهو الله جل في علاه ، عبادة الله تعالى يدفعنا إليها ما يسعدنا في الدنيا والآخرة وحب الله يقتضي طاعته فيما أمر وترك ما نهى عنه والله يعدنا بالجنة إذا أطعناه ويعدنا بالعذاب إذا عصيناه.
عين اليقين هو اليقين الحسي ويقين استدلالي ويقين إخباري، اليقين الموضوعي يقين حسي لأن العقل يدرك العالم الخارجي الموضوعي بالحواس والعقل يدرك نفسه والمشاعر بالبصيرة والمبادئ العقلية يتذكرها والمشاعر هي انكشاف أعراض النفس ، أما المسائل الغيبية فنكتشفها بواسطة الخبر الصحيح الصريح، والوجدان له متع جسمية وهي ناتجة عن إشباع حاجات الجسد أما السعادة فهي إشباع حاجتنا إلى عبادة الله تعالى.
العقل مهمته قبل النقل التيقن من صحة النقل ومهمته بعد التيقن التأكد من صحة النقل ، وفهم النقل وإذا كان النقل طلب طبقناه.
العقل يدرك العالم الموضوعي الذي هو من عالم الشهادة أما العالم الموضوعي الذي هو من عالم الغيب لا يدرك إلا بالوحي الصحيح الصريح.
أنواع الحق:
1. الحقائق العلمية : حقيقة مقطوع بصحتها تطابق الواقع عليها دليل مقطوع بصحتها مئة بالمئة وإذا قلت نسبتها عن مئة بالمئة ولم تصل إلى الخمسين بالمئة فهي وهمية وإذا كانت نسبتها 50% فهي شك وإذا قلت فهي وهم وإذا كانت لم تطابق الواقع فهي جهل.
2. الحقيقة الخبرية : هي الخبر الصحيح الصريح.
3. الحقيقة العملية : وهي المطابقة للفطرة السليمة كالحقائق الأخلاقية والرياضية والمنطقية والجمالية.
الفطرة:
لقد أودع الله في أرواحنا قواعد الأخلاق والجمال والرياضة، والناس يحكمون على الفعل بالخير بقواعد الأخلاق الفطرية ويحكمون على جمال الأشياء بالقواعد الفطرية ، قال تعالى: ﭽ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ الشمس: ٧ – ١٠.
سأل النواس بن سمعان الأنصاري النبي صلى الله عليه وسلم عن البر فقال : البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس) رواه مسلم والترمذي والدارمي.
يدل هذا الحديث على أن في أرواحنا حساً خلقياً بالإثم لذا نكره الإثم أن يطلع عليه الناس لأنه يعلم أنهم عندهم حساً خلقياً مثلهم والحس الأخلاقي هو ما يسمى بالضمير ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن معبد الأسدي : (جئت تسأل عن البر والإثم قال : نعم نجمع أصابعه فضرب بها صدره وقال : استفتِ نفسك ، استفت قلبك ، البر ما أطمأنت إليه النفس ، وأطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس ، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك) رواه أحمد في صحيح ،.
قال صلى الله عليه وسلم : (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات لا يعلمها كثير من الناس ، فمن إتق الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) متفق عليه. الشبهات يعرفها الفقهاء.
وعلى المسلم أن لا يعتدي على الناس لأن قواعد الأخلاق عامة مجردة ، قال صلى الله عليه وسلم : (من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة فلتدركه منيته، وهو يؤمن بالله، واليوم الآخر، ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه) رواه مسلم وأحمد.
قال صلى الله عليه وسلم : (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) متفق عليه.
قال صلى الله عليه وسلم (أحسن الناس إسلاماً أحسنهم خلقاً، وإن أكمل الناس إيماناً أحسنهم خلقا وإن من أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً، وإن خير ما أعطي الإنسان خلق حسن ، وإنه ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن).
قال تعالى: ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﭼ الروم: ٣٠.
الإنسان مجبول على الإسلام كأخلاق أي مبرمج على حب الأخلاق وحب الخير والإنسان مدفوع بحب الكمال وكل يتدرج إلى الكمال بحسب رغبته في الاكتمال الخلقي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق