الجمعة، 30 ديسمبر 2011

الإبداع والخلق والتدبير

الإبداع والخلق والتدبير
إن الله تعالى أوجد المخلوقات من العدم وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول هذا الأمر فقال : (كان الله ولم يكن معه شيء) متفق عليه، وأوجد الله الشيء من الشيء وهو الخلق كما خلق الله تعالى آدم من تراب وخلق الجان من مارج من نار، وخلق تعالى أجناساً وأنواعاً وجعل لكل جنس ونوع خواص، وجعل الخواص لا تنفك عما جعله الله بها وجعل للأشياء قوانين تحكمها والله يعطل بعض القوانين ليرى الناس أنه هو الذي أوجدها قادر على أن يوقفها مثل والله يأمر جنوده أن ينفذوا أمره ولله الأمر من قبل ومن بعد مثل معجزات الأنبياء وما نراه في الخوارق التي ذكرناها من قبل .
والله تعالى يلهم عباده مثل قصة خرق السفينة وإقامة الجدار وقتل الغلام، والوحي إلى الأنبياء والوحي الفطري إلى الأشياء.
وفي الكون عالم روحي يختلف عن العالم المادي تتمثل فيه المعاني بأجسام مناسبة لها في الصفة لحديث : (لما خلق الله الرحم قامت فقالت هذا مقام العائد بك من القطيعة) (إن سورة البقرة وسورة آل عمران تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن أهلهما) (تجيء الأعمال فتجئ الصلاة ثم تجيء الصدقة ثم يجئ الصيام) الحديث (إن المعروف والمنكر لخليقتان تنصبان يوم القيامة فأما المعروف فيبشر أهله، وأما المنكر فيقول إليكم إليكم ، ولا يستطيعون له إلا لزوماً)، (إن الله يبعث الأيام يوم القيامة كهيئتها ويبعث الجمعة زهراء منيرة) (سيؤتى بالدينا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء زرقاء أنيابها).
روح النبي صلى الله عليه وسلم لديها خيالة روحية (سينما) ترى المعاني مجسدة تصور الأشياء قبل أن تقع لحديث : (هل ترون ما أرى ؟ فإني أرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر) وفي حديث الإسراء : (فإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران ، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال : أما الباطنان ففي الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات) ، وفي حديث صلاة الكسوف: (صورت لي الجنة والنار بيني وبين جدار القبلة فتناول عنقوداً من الجنة ، وأنه تكعكع (تأخر) من النار ، ورأى سارق الحجيج والمرأة التي حبست الهرة حتى ماتت ، ورأى المؤمنة التي سقت الكلب في الجنة) عالم الروح قريب من الروح دون مسافة أو زمن ، قال صلى الله عليه وسلم : (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات، ثم أمر جبريل أن ينظر إليهما وقال : (ينزل البلاء فعلاجه الدعاء) (خلق الله العقل فقال له : أقبل فأقبل وقال له أدبر فأدبر) ( هذا كتابان من رب العالمين) الحديث (يؤتي بالموت كأنه كبش فيذبح بين الجنة والنار) وقال تعالى( فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا) مريم: ١٧، الروح لها القدرة على التمثيل فتأخذ الصورة المناسبة لها كما يريد لها الله وحسب البرنامج الذي أودعه الله فيها أو صدر لها الأمر بأن تكون على شكل كذا فأهل النار لهم من الشكل ما ليس لأهل الجنة فالله يجعل المتكبرين كالنمل يدوسهم الناس والجن يتشكلون فإذا خضع للصورة فخضع لنظامها فإذا أخذ الجني شكل الأفعى يمكننا قتله. والكائنات الروحية موجودة في عالم الملكوت، فعالم الذر والبرزخ (القبر) وعالم الآخرة عالم ملكوتي (روحاني) وعالم النوم عالم روحاني فالأفعى في القبر والنوم تلدغ لدغاً روحياً والمعاني من عالم الروح فنحن نتمتع بالصور الجميلة في مخيلتنا وفي العمل الفني كما نتقزز من الصور القبيحة.
استفاض في الحديث أن جبريل عليه السلام كان يظهر للنبي صلى الله عليه وسلم ويقرأ عليه فيكلمه ولا يراه سائر الناس، وأن القبر يفسح سبعين ذراعاً في سبعين ذراعا أو يضم حتى تختلف أضلاع الميت، والملائكة يراها الميت لأنه في حالة روحية صرفة وتكفنه بحرير من عالم روحاني، والملائكة تضرب الميت بمطرقة من حديد العالم الروحاني ويصرخ صرخة روحية تسمعها الأرواح وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت الكافر في قبره. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الميت إذا أدخل القبر مثلت له الشمس عند غروبها فيجلس يمسح عينه ويقول (دعوني أصلي) فالروح تدرك مباشرة فهي ترى الله تعالى واستفاض في الحديث أن الله تعالى يتجلى (يظهر) بصور كثيرة لأهل الموقف وأن النبي صلى الله عليه وسلم يدخل على ربه وهو على كرسيه ، وأن الله تعالى يكلم الإنسان مباشرة.
وجاء في الحديث (إذا قضى الله تعالى الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الحق وهو العلي الكبير) وفي رواية : (إذا قضى الله أمراً سبح حملة العرش، ثم يسبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الدنيا ثم قال: الذين يلون حملة العرش لحملة العرش : ماذا قال ربكم؟ فيخيرونهم ماذا قال؟ فيخبر أهل السماء بعضهم بعضاً حتى يبلغ الخبر أهل السماء الدنيا وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام من الليل فتوضأ وصلى ما قدر له أن يصلي فنعس في صلاته حتى استلقى فإذا بربه تبارك وتعالى في أحسن صورة فقال: يا محمد فقال: لبيك رب ، قال : فيما يختصم الملأ الأعلى؟ قال: لا أدري قالها ثلاثاً فرآه وضع كفه بين كتفه حتى وجد برد أنامله من قدميه فتجلى له كل شيء وعرف. فقال: يا محمد، قال: لبيك رب قال : فيما يختصم الملأ الأعلى قلت في الكفارات قال: وما هن؟ قال: مشي الأقدام إلى الجماعات والجلوس في المساجد بعد الصلوات وإسباغ الوضوء حين الكربات قال ثم فيم ؟ قال في الدرجات قال: وما هن؟ قال إطعام الطعام ولين الكلام ، والصلاة بالليل والناس نيام)(رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين) فالله تعالى يصدر الأوامر لكل شيء فيعطيه دون أن يشعر والله يبلغ جبريل الأمر فجبريل يبلغه الملائكة لحديث : (إن الله إذا أحب عبداً وما جبرائيل فقال : إني أحب فلان فأحبه جبرائيل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلان فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض.
وإذا أبغض الله عبداً دعا جبرائيل فيقول : إني أبغض فلاناً فأبغضه فيبغضه جبرائيل، ثم ينادي أهل السماء : إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه فيبغضونه ثم يوضع له البغضاء في الأرض) ،الكلام بين أهل السماء كلام روحي فإذا كنا نبعث رسائل إلى الجوالات فما بالك بالله الذي هو على كل شيء قدير وبكل شيء عليم ولا يعجزه شيء في السموات والأراضين.
أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في ابن آدم لمة ملك ولمة شيطان.ولمة الملك إيعاز بالخير ولمة الشيطان إيعاز بالشر. فالملائكة تبث رسائلها إلى الأرواح الطيبة تدعوها إلى فعل الخير والشياطين ترسل رسائلها إلى الأرواح برسائلها تدعوها إلى الشر والشيطان له حزب والله له حزب.
أوامر الله يبثها إلى الملائكة قال تعالى:(فيها يفرق كل أمر حكيم) الدخان: ٤، في ليلة القدر والله تعالى كل يوم في شأنه.
الأشياء عبارة عن شرائح يبرمجها الله برنامجاً خاصاً بها وقد يغير برنامجاً كما غير برنامج نار إبراهيم عليه السلام وكطيور إبراهيم الأربعة ونار موسى وعصى موسى ويد موسى وكذلك في كل المعجزات والكرامات فالأشياء جنود الله يأمرها فتنفذ والله ينزل السكينة على المؤمنين فالأرواح الطيبة تنزل إليها المعاني الطيبة من الملأ الأعلى ، والأرواح الخبيثة ينزل إليها المعاني الخبيثة من الشياطين توحي إليها المعاني الخبيثة والأرواح المؤمنة تطمئن إلى المعاني الطيبة فالأرواح الطيبة تبث إليها الملائكة رسائل تدلها على الخير وهذا ما يسمى بلمة الملك ، فالله يهئ للأشياء الأسباب لأنها جنوده.
الموت يحدث عند الأسباب ولكن خروج الروح يتم عن طريق نزع الملائكة الروح من الجسد حتى تبلغ الحلقوم ثم تخرج فالله جل في علاه يدبر الخلق ولكل نبأ مستقر لحديث : (إذا قضى الله لعبد أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة) ،(يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن) الرحمن: ٢٩ ، قال صلى الله عليه وسلم (بيده يرفع القسط ويخفضه) فما من حدث إلا وكان من حكمة الله أن يحدث والأمور تدبر بحكمة الله الصادرة، بمن يعرف علاقات الأحداث بعضها ببعض والإنسان لا يعلم إلا ظواهر الأمور فيحكم على العاجل دون الآجل فالله يعامل الناس برحمته لا بأعمالهم فهو سبحانه يضع الموازين القسط ويطلع على السر وأخفى لحديث: (ولن يدخل أحدكم الجنة عمله) (إنما أنت رفيق والطبيب الله) وإن مرد حقيقة الإنسان إلى الروح والروح أخفى الموجودات وهي أخفى الخفايا، وما البدن إلا مطية الروح وهي أقوى جنود الله فأرواح الملائكة لا تعصي الله ما أمرها وتفعل ما يأمرها الله وشياطين الجن والإنس تعودت معصية الله أما الإنسان فلديه استعداد للطاعة والمعصية، فالطاعة مجلبة للمتعة الروحية والمعصية مجلبة للضنك.
أما الحيوانات والنباتات والجمادات فلا تعصي أوامر الله التي فطرها عليها فهي تطيع أوامر الله الفطرية والإنسان قابل للإلهامات والعلوم وقابل للانحراف عن الفطرة ،(ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب) الحج: ١٨.
روح الأشياء مبرمجة على فطرة خاصة بها أما الإنسان له استعداد أن يحافظ على برنامج الفطرة وعلى تغيير الفطرة والإضافة إليها من المعارف المكتسبة أما البهائم فقد أوجب الله عليها نظاماً لا تستطيع عصيانه أما الإنسان فأرسل إليه الرسل ليضعوا له نظاماً أخلاقياً إن خالفه خسر الدنيا والآخرة.
صحة الأبدان بالغذاء الكامل وصحة الروح بالغذاء الإيماني فكلما زاد الإيمان ذاق حلاوة السعادة ، أما الروح إذا طاعة الله يشع منها نور السعادة وإذا عصته تشع منها ظلام التعاسة فالسعادة طاقة روحية ناجمة عن الطاعة والتعاسة طاقة روحية ناجمة عن المعصية والطاقات ترفع إلى الملأ الأعلى ولقد أخبر النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم أن الملائكة ترفع أعمال بني آدم إلى الله تعالى والله يسألهم كيف تركتم عبادي ، وعمل النهار يرفع قبل عمل الليل، فالطاقات الروحية تنبعث من الكعبة وفي ليلة القدر والأيام المباركة وعبادة الله تفجر في الإنسان الطاقة الروحية وفعل الخير يبعث على السعادة والتعود على عصيان الله بفعل الشر يبعث على الشعور بالتعاسة لحديث : (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً ، فأي قلب أشربها نكتة فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين أبيض مثل الصفاة فلا تضره ما دامت السموات والأرض والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه). بؤرة الطاقة الروحية تجمع فتكون قوة مقاومة للطاقة السلبية فالطاقة السلبية توجه الإنسان إلى المعصية والطاعة تجلب السعادة (الطمأنينة) والمعصية تجلب القلق.
وذلك أن الطاقة الإيجابية تأتي من عمل الصالحات فكلما زاد عمل الخير زادت المكافأة بالسعادة فزاد عمل الخير فالفكر الخير يجلب السعادة والسعادة تشجع على زيادة عمل الخير، فالانشغال بالمعصية يمنع فعل الطاعة فالسعيد في دار السعادة في البرزخ والآخرة أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أكثر عذاب أمته في قبورهم. والنعيم يتحصل بتحقيق المتعة في نعيم القبر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق