الاثنين، 9 يناير 2012

نظرية الوجود:



الأشياء تختلف كيفا وإلا لما تمايزت وفي داخلها مبدأ حركة، والأشياء تتكون من جواهر والجوهر لا يتركب من وحدات لأنه ليس له أجزاء ويخلقه الله خلقا من العدم. الجوهر لا امتداد له ولا شكل ولا حركة ولا انقسام ، وهو لا أشكال له وإن كان له أشكال له وإلا كان له أجزاء.
يتميز الجوهر باختلافه المطلق عن غيره ، ويجب أن يكون الجوهر حاصل على صفات وإلا لما كانت موجودات ، وإذا كانت الجواهر عارية عن الصفات فإنه لا يمكن تمييز أحداها عن الأخرى لأنها لا تختلف من حيث الكم.
من الضروري أن يختلف كل جوهر عن غيره من الجواهر إذ لا يوجد جوهران يتشابهان تماما وإلا اعتبر جوهرا واحدا.
ولما كانت الجواهر بدون أجزاء فإنه لا شيء يمكن أن يخرج منه ليكون له قفل خارجه ،ولا شيء يمكن أن يدخل إليه ليجعله يتغير داخليا فلا شيء يخرج من الجوهر ،ولا يدخل فيه الحركة في الجوهر منبعثة من صميمه ومن الحركة تنتج الأعراض والصفات والحالات.
الجوهر كائن قادر على الفعل والزمان ترتيب لتعاقب أوضاع الجسم، والمكان علاقة بين الأجسام. والكون لا خلاء فيه بل فيه ملأ والروح هي جوهر الإنسان ،وهي جزء لا يتجزأ أي ذرة روحية.
مبدأ الوجود أن الله خلقه من العدم خلقه بقوله كن فكان أي صار بعد العدم وجود أي أصبح كائنا والكائن موجود بعد أن كان عدما، وغير الكائن لا وجود له. الكائن بدء لأنه كان معدوما وما دام له بدء فلابد أن المبدئ سبحانه يراه ،والذي بدأ لا يعجز أن يعيده فالله هو الأول وليس قبله شيء والآخر ،وليس بعد شيء.
الله تعالى ليس له بدء ، ولا يمكن أن يصدر من العدم لأنه تعالى لا يسبقه شيء لأنه الأول ،والكامل لا يخلق لأنه الغني المخلوق فقير إلى خالقه ،والله تعالى حي لا يموت ،فالموت سمة الحي المخلوق وكمال الله تعالى يقتضي علمه اليقيني ،وعلم الإنسان يصل إلى اليقين فيما فطره الله عليه من أفكار ،وما يدركه بالحواس الظاهرة، والباطنة والإنسان ينتقل من الظن إلى اليقين ، وما كان يدركه من خطأ لا يعني أنه حين ظنه كان حقيقة ،وإنما اكتشف أنه ما كان ظنا كان خطأ ،والإنسان يدرك العالم الحسي بالحواس ،وعالم الأذهان بالجنان وبالبصيرة يدرك الإنسان أحوال الوجدان والعقل والوجدان من وظائف الروح والروح خلقها الله تعالى قبل الجسد ،وهي خالدة وفي ذاكرتها الأفكار الأزلية الخالدة وهذه الأفكار تتذكر ما تذكرا ، والأخلاق فطرية لأن فكرة كمال الله تقتضي العدالة، والعدالة تقتضي الجزاء الأوفى في الآخرة ،والسعادة لا تتحقق في الحياة الدنيا فلابد أن ينالها الذين يسعدون أنفسهم والناس. رغبة في رضى الله والسعادة في اللذة التي تسبب ضررا للنفس وللناس ، فالأخلاق عامة ومطلقة. والأخلاق انتقاء سعادة الناس ،وغاية الخير هو إسعاد الناس ، فالإنسان الطبيعي يسعد بفعل الخير، ويشقى بفعل الشر إلا من كان في نفسه مرض.
الله تعالى بكل شيء عليم فلا يتطرق إلى علمه الظن أما علم الإنسان، فيتطرق إليه الظن.
إن النقائض موجودة بالقوة أي الوجود فيه استعداد لتقبل التطورات المتدرجة ، وإمكانية التكامل الصاعد بالحركة ، وهذا يعني أن الوجود فارغ في محتواه الداخلي عن كل شيء سوى القابلية ،والاستعداد والحركة خروج تدريجي من القابلية إلى الفعلية في مجال التطور المستمر.
وليست المادة هي العلة الدافعة لها لأنها خالية من درجات التكامل التي تحققها أشواط التطور والحركة ، ولا تحل إلا إمكانها واستعدادها ، فلابد ـ إذن ـ من التفتيش عن سبب الحركة الجوهرية للمادة ، وعموميتها الأساس خارج حدودها .

كل شيء مكون من أجسام صغيرة غير قابلة للتجزئة، والأجزاء هذه متشابهة من حيث مادتها ولكنها تختلف، فيما بينها من حيث الشكل والوضع والترتيب ،وهذه الأجزاء الصغيرة هي الجوهر ،وهو أصغر شيء في الوجود ولا يدخل في غيره ولا يدخل غيره فيه، فوجوده كيفي وليس كمي فلا يزيد ولا ينقص ولا يضاف إلى غيره ،وهو المختلف الذي لا شبيه له ولا مثيل من حيث الفردانية والبصمية وقد خلقه الله ليؤدي وظيفة خاصة به.
ويتميز الجوهر بأنه ثابت غير خاضع للتغير لأنه إذا تغير أصبح غير نفسه ،وإذا انفصل عن نفسه انعدم ،فالتغير لا يطرأ على مادته ،وإنما التغير يطرأ على صفاته (أعراضه) مثل الصلصال يتغير شكله وصورته ولا يصبح غير مادته التي هي الصلصال ،والحقيقة مطلقة لأنه يستحل ان تتحول إلى وهم ،وهذا تناقض مرفوض عقلا بحسب فطرته. فالحقيقة اكتشاف للموجود وليس إنشاء له، فالحكم على حقيقة حكم خبري وليس إنشائي ، أما الحكم الأخلاقي ، فهو تنفيذ الأمر الفطري افعل الخير للإنسان ،ولا تفعل له الشر وذلك أن الإنسان مفطور على حب الخير لنفسه ،فهو إذا أحب أخيه الإنسان فعل له الخير ،وإذا حسده فعل له الشر وكف عن فعل الخير له على الأقل.
كما أن الإنسان مفطور على حب الجمال لأنه يحب بفطرته الاستمتاع بالجمال. الحقيقة هدف العقل، والخير هدف العمل ،والجمال هدف الشعور. العلم افتراض إما أن يتبعه بالمطابقة بين التصور والواقع ،وإما عمل ينتظر منه أن يفيد الإنسان أو شيء يمتع الإنسان.
الروح :

الله واجب الوجود ،وواجب الوجود غير مسبوق بزمن لأنه هو سبحانه خالق والخالق غير مخلوق،والله خلق من العدم ،والوجود صفته اللازمة سلبية وهي سلب العدم عنه ،والله خلق الروح غير مركبة أما الجسم فهو مركب من عناصر، والروح غير قابلة للقسمة ،ولو كانت قابلة للقسمة لتعدد في ذاتها ،وأصبح كل عنصر منفك عن الآخر بحيث يصبح كل عنصر مختلف عن غيره لأنه منفصل ،ومتعدد وداخل الكل.
والوجود يتميز بصفاته التي تجعله مختلف عن غيره،والروح تتميز بالحياة ،والحياة صفة تستتبع العلم والإرادة ،وحياة الروح حياة الممكنات ،فالروح فيها حياة وهذه الحياة خلق الله داخلها إمكان العلم والإرادة ،فالروح وحياتها وقدرتها على العلم والإرادة من مخلوقات الله، فحياة الله وعلمه وإرادته غير مخلوقة , وأما الحياة في الروح فهي مخلوقة ، والمخلوق بحاجة إلى الخالق في وجودها. والعلم صفة والصفة إمكان والعلم إمكان انكشاف شيء في الذهن.
الوعي من لوازم الروح ، فالروح عندما تتلبس بجسم الدنيوي يصبح العلم محدود بحدود ،وقدرات المخ الذي هو أداة للوعي الروحي في حدود الإمكانيات التي أرادها الله له في الحياة الدنيا أما الحياة الأخرى، فيصبح للروح جسم خاص يفتح الله فيه إمكانيات لا محدودة لحديث ،وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ،ولا خطر على قلب بشر.
والروح خلق الله فيها إمكان الوعي بالإضافة إلى إمكان الإرادة، والإرادة هي ما به يصبح المريد أن ينفذ ما قصده ، وأن يرجع عنه ، وإرادة الله تخلق الإمكان من العدم أما إرادة الإنسان، فهي محدودة بالسنن الكونية تسخرها بعدما تعلمها ،وتخرسها فتتخذ الأدوات طبيعية كانت أو مصنوعة أما الله فليس له حاجة إلى الأدوات إنما أمره أن يقول للشيء كن ،فيكون والقدرة سلطة على الفعل، وهي سلطة يخلقها الله في الروح.
والعلم والإرادة والقدرة يستلزم بالضرورة ثبوت الاختيار، فالإنسان يعلم ويقصد ما يريد عله، ولكي ينفذ لابد له من سلطة على الفعل ، فهو حين يقصد يقرر أي الطرق لتنفيذ القصد ،والوعي يقتضي أدوات ، والأدوات هي الإذن للسمع والعين للبصر، والسمع صفة تتكشف به المسموعات ،والبصر صفة تنكشف به المبصرات.
والروح ترى بلا بصر في عالم الأرواح ،وتسمع أيضا بلا سمع، فالروح جوهر لا عرض وهي قبل الجسم وبعده ، والروح مجردة عن الجسم ، والروح هي الموجود هي له شعور وإرادة.
الروح كائن له بصمة ليس أزلي بل أبدي حي جعل الله له القدرة على العلم ،والإرادة وخلقه ذو بصمة وجودية وجعل متكلم وسميع بصير ، والصفات ليست زائدة على الروح بل هي من إمكانيات الروح التي خلقها في الروح ،وما السمع إلا العلم بالمسموعات ،وما البصر إلا العلم بالمبصرات ،والشعور إلا العلم بأحوال الذات ،فاللغة تسجيل للمشترك أما الحدس ،فهو الإدراك بالمختلف وهي حالات الروح والأرواح. وأفعال الإنسان تصدر عن علم وإرادة ، وكل ما يصدر عن علم وإرادة فهو عن اختيار ، والإنسان الصالح التقي هو من تصدر اختياراته فيما يوافق الشرع ،والله وحده الذي لا واجب على اختياره.
فالمسلم يجب أن يتنزه عن العبث في الأفعال، والكذب في الأقوال ، والحكمة من الأفعال تحقيق مصلحة للإنسان ،ودفع مضرة عنه ،فأفعال العاقل تصان عن العبث.
قال تعالى ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين * لو أردنا أن نتخذ لهوا لانجزناه من لدنا إنا كان فاعلين * بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق * ولكم الويل مما تصفون ) [ الأنبياء : 16-18].
والشرك اعتقاد أن لغير الله أثرا فوق ما وهبه الله من الأسباب الظاهرة ، وأن لشيء من الأشياء سلطانا على ما خرج عن قدرة المخلوقين. وهو اعتقاد من يعظم سوى الله مستعينا به فيما لا يقدر العبد عليه كالاستنصار بغير ما أعدوا من قة ،والاستشفاء من الأمراض بغير الأدوية التي هدانا الله إليها ، والاستعانة على سعادة الدارين بغير الطرق والسنن التي شرعها الله لنا.

تمتاز الروح عن المادة أن الروح تفكر ،وتشعر وتمتاز المادة بالامتداد لأن الروح جوهر ،والجوهر لا يمتد ،ولا ينقسم المادة هي أعراض، والأعراض صفات ،فالصفات المادية هي الصفات الخارجية ،والصفات الخارجية ناتجة عن الامتداد ،والامتداد ناتج عن الحركة أما الصفات الباطنية، فهي الفكر (المعاني) والمشاعر الجوهر هو الشيء المستقل يتقوم بذاته ،ويتقوم سائر ما عداه عليه، والجوهر ليس واحد بل هناك جواهر متعددة، وليس هناك واحد إلا الله تعالى.
الجوهر هو الحامل للصفات، ويعرف الشيء بإحصاء صفاته مثل الشكل ،والصلابة ،والامتداد ،والعدد. الطعم واللون والصوت، ونحن نتعرف على الأشياء بالمقارنة بين الصفات المشتركة ،ونميز بينها بالصفات المختلفة، ونجعل الأشياء ذات الصفات المشتركة في فئات ،والمفهوم عن الشيء هو صفات فئاته المشتركة.
الجواهر لها صفات ولها علاقات بغيرها وهي علاقات السببية وعلاقة الاستعمال وعلاقة الاستعمال تتميز بوجود الغاية فنحن نسخر القوانين ليستفيد منها الإنسان. إن فكرة الجوهر فكرة فطرية لأن كل موصوف له صفات مثل فكرة الله والقواعد الأخلاقية والمبادئ والعبادة ،والكل والجزء وعلاقة السببية وقاعدة عدم التناقض ،والأحكام العقلية ،والأخلاقية والرياضية.
هناك أفكار تأتي عن طريق الحواس الخمسة، وهي الأفكار التي تتعلق بالعالم خارجنا، وهناك أفكار تتعلق بالأفكار داخل العقل ،وهذه الأفكار تدرك بالاستبطان والحدس والبصيرة ، ففكرة الجوهر فطرية ،والإنسان بالبصيرة يدرك المشاعر والأفكار الفطرية ، الجوهر هو الذرة الروحية ،ونسميها الذرة لأنها في التحليل النهائي هي الأصغر لذلك القضايا تحلل القضايا ما هو أصغر منها إلى القضية الأصغر ،وهذه القضية يرتبط فيها الموضوع بالمحول أو بعده محمولات أو يتحد الموضوع فيها بالمحولات.
نحن نطلق من تحليل العالم إلى تحليل اللغة ،وتحليل اللغة نحلل الفكر، والفكر هو القضية ذات المعنى ،فالقضية هي الفكر الذي يدور في ذهن المفكر، والذي يتم التعبير عنه بواسطة ألفاظ اللغة، ومن ثم لا فصل بين اللغة والفكر.
إن العالم قوامه كثرة من الوقائع ،وليس وحدة كلية منسقة ،والعقل يحلل العالم إلى الأصغر (الجوهر) ،ويحلل اللغة إلى قضايا بسيطة. الله خلق الجوهر من العدم ،وإذا وجد انتفت عنه صفة العدم ،والشيء في أساسه فارغ من الصفات، فالله يضع له صفة يقول للشيء كن فيكون.
الجوهر هو الواحد الذي لا يتركب من أجزاء ،والجوهر هو الذرة الروحية ،وهي الجزء الذي لا يتجزأ . الجوهر الفرد ،والبصمة، والنقطة الرياضية، والنقطة المادية في المادة ،والنقطة الروحية في الروح . الجوهر نقطة غير ممتدة، وإنما الامتداد الأعراض، الجوهر يبدأ من الخلق ،وينتهي بالإعادة أما الأعراض، فهي مركبة تبدأ بالأجزاء ،وتنتهي بانحلال الأجزاء أو بتغيراتها أو انتقالاتها. الجوهر يأتي إلى الوجود بإرادة الله دفعة واحدة ،ويتوقف عن الوجود دفعة واحدة أيضا.
الجواهر لا تختلف كما ،وإنما تختلف كيفا وإلا لما تمايزت وهذا يسمى مبدأ الذاتية أي البصمة لأن التشابه التام يعني عدم التعدد لأن التعدد للمتشابهات. الجوهر بسيط لذا لا يخرج منه شيء ،ولا يدخل فيه شيء ،والتغير في أعراضه (صفاته) ينتج من داخله.
العالم يتحدث عن وجود كائنات غير منظورة تسير إليها المفاهيم المجردة ،والمفاهيم المجردة تقتضي وجود كائنات غير قابلة للمشاهدة ،ولكنها تقوم بدور مهم جدا في حياتنا مثل وجود الله، والروح ،والعقل، والشعور من وظائف الروح ،والعقل يعتمد على قواعد المنطق، والأخلاق.
أثبت العلم الحديث أن المادة المحسوسة وهم، وما هي إلا جسيمات غير مرئية (غيبية) ،ونستدل على وجودها من الآثار الناتجة عنها كالكهرباء . ولذلك العلم تحول من منطق التجربة القائمة على المشاهدة إلى منطق الإقناع العقلي ،فالإلكترون من عالم الغيب لا يشاهد إنما نستدل على وجوده من آثار العملية مثلما نستدل على وجود الله من خلقه ،وكذلك نستدل على الروح من خلال الوعي ،والشعور، والفهم. لعلم يقول بأن هناك جسيمات أولية ،وأرواح أولية تسكن الأجسام كما يسكن الإلكترون الذرة.
فالمعاني متجسدة في عالم الأشياء الواقعية برغم أنها معاني ذهنية مجردة ،فالطاقة كتصور عقلي يتجسد في عدة صور (الصفات) كالحركة، والضوء، والصوت ،فالمعاني في الأشياء ليست أشياء بل فاعلية الأشياء ونشاطاتها،فهي صور حركات الأشياء وحركة الأشياء أشكالها هي صفات، فالقيم الحق والخير مفاهيم عقلية تتجسد ،واقعيا تتمثل في كل صور الفاعلية الإنسانية.
المادة والطاقة صور من أشكال الأشياء، ولا نراها ولكن تؤثر فينا كالجمال الذي يوجد في الأشياء ،ويؤثر فينا كما يؤثر فينا عمل الخير فنحب صاحبه ، فالحقيقة والخير والجمال أشد واقعية من وجود الأشياء المرئية.
إن مقولة حرية الإرادة الإنسانية ومقولة الحرية الأساس الذي يميز الإنسان ككائن عاقل ،وأيضا بوصفه موجودا أخلاقيا ، والظواهر الإنسانية الخاصة المختلفة عن قوانين المادة الصماء من العبث أن نبحث عن سند فيزيائي لحرية الإرادة لأنها من عالم الروح.
تحول المادي إلى غير المادي والعكس صحيح دليل على المادي وغير أشكال يحركه الجوهر، ومبدأ بقاء الطاقة دليل صحة عقيدة البعث ،وبقاء عمل الإنسان ،وعودة الروح إلى جسدها يوم القيامة من أجل الحساب.
أشكال المادة هي صفات أعراض لجوهر الشيء فالمادة صفاتها السائلية والجمود والغاز وهي عرض فالماء جوهره ليس كونه سائل أو جامد أو بخار إنما هذه أعراض الجوهر أي الشيء موصوف يتصف بأعراض . فالإنسان تتغير خلاياه وذراته كل عشر سنوات فهذا الذي يتغير ليس ثابت إنما الوجود ثابت ومتغيراته هو صفاته بحسب حركته الجوهرية وما الوجود إلا استعداد لتلقي هداية الله له.



الذات:
الذات هي الجوهر ،والجوهر هو ما يقوم بنفسه: الشيء الثابت وراء التغير ،والواحد وراء الكثرة ويقابله العرض ما لا يقوم بنفسه ،والجوهر هو الموجود الفرد، والأعراض تلحق بالجوهر أو محمولات الجوهر تحمل عليه ،وهو ما يصدق على صورة الشيء وماهيته ،والجواهر لا تلحق بها الحركة.
الذات واحدة لا كثرة فيها بأي وجه من الوجوه ،فالذات العاقلة لديها قدرة على المعرفة. والأعراض هي الصفات، والصفات هي أحوال ثابتة للذات تتميز بها عن غيرها.
تطلق الذات على الماهية ،وهي الخصائص الذاتية لموضوع معين. الذات العاقلة تفكر ،وتشعر، والذات تعرف والمعروف الذي تعرفه خارج الذات العارفة. الذات مقابل الموضوع ،ووظيفتها إدراكه ،والذات جوهر له وجود فعلي أشمل من مجرد الوظيفة المعرفية ،والمعرفة لا تخلق موضوعها بل تجده أمامها . الذاتية هي التفرد والتمييز عن الغير ،ولكنها تشترك مع غيرها في قواعد المنطق الفطرية ،وتشترك بإدراك مطلق الحقائق ،وقيمة الخير، والجمال الطلقتين، فالحب هو الوسيلة الأخلاقية لإحلال التعاون، والحب هو الذي يدفعنا إلى إسعاد الناس لأننا نزداد سعادة بازدياد سعادتهم ،والحب أساس المعرفة لأن حبنا للمعرفة فطري وحب الخير فطري ،فكذا حب الجمال. الحب هو الجانب الإيجابي من المشاعر ،والكره هو الجانب السلبي من الوجدان.

وجود الله تعالى:
الله خلق الأشياء من العدم بإرادته ،ومشيئته، وقدرته ،وعلمه هو غني عن خلقه ،وهو بكل شيء قدير ،وهو بكل شيء عليم فما دام هو بكل شيء عليم، وبكل شيء قدير فلابد أن يكون الحي القيوم ،ولا يعجزه شيء ،ولا توجد إرادة أقوى من إرادته.
أدلة وجوده الله تعالى:
1- الدليل الطبيعي:
يستدل على وجود الله تعالى بوجود مخلوقاته ، فالمخلوق يدل على الخالق لأن المخلوق لابد له من خالق والخالق لا يحتاج إلى من يخلقه ولا يحتاج إلى من يساعده.
2- الدليل الغائي:
الإنسان يسخر الأشياء ،والأشياء خلقها الله فلابد أن يشكر الله بفعله الخير.
3- الدليل الكوني:
الله تعالى خلق الأسباب ، والأسباب خلقها الله في العلة لا تصبح معلولة في نفس الوقت فإذن الله خلق الأشياء ونظامها.
4- الدليل الوجودي:
الله هو الكامل ،والكمال يتنافى مع العدم إذن الكمال موجود.
5- برهان الإجماع:
الناس مفطورون على الإيمان بالله.


العالم والوجود:
التطور العلمي لا يعني أن الحقيقة تنمو تندرج ،وإنما معناه تكامل العلم باعتباره كلا ، أي باعتباره مجموعة نظريات وقوانين ، ومعنى تكامله زيادة حقائقه وقلة أخطائه معا. والعلم اكتشافات جديدة لحقائق لم تكن معلومة ، وتصحيحات لأخطاء سابقة ، وكل خطأ يصحح هو خطأ مطلق ، وكل حقيقة تستكشف هي حقيقة مطلقة. إن النظريات التجريبية لا تكتسب صفة علمية ما لم تعمم لمجالات أوسع من حدود التجربة الخاصة وتقدم كحقيقة عامة ، وذلك يكون على ضوء مبدأ العلية وقوانينها ، فلابد للعلوم عامة أن تعتبر مبدأ العلية وما إليها من قانوني الحتمية والتناسب ، مسلمات أساسية ، وتسلم بها بصورة سابقة ، على جميع نظرياتها وقوانينها التجريبية.
من الخطأ القول بأن العلة تستلزم علة قبلها ، لكن العلة تستلزم معلولا؛ فالعلم معلول للعلة ،وهو الدليل والبرهان ، العلة والمعلول معاصران فلا يمكن أن يوجد بعد زوال العلة أو أن يبقى بعد ارتفاعها، فعملية البناء هي العلة ،وليس الباني إذ ينفصل عن البناء.

البعث:
البعث هو الميعاد ،والحشر والبعث ضرورة للثواب والعقاب ،وهو ضروري لتحقيق الأماني ، وهذه الأدلة تقوم على الإمكان ،والجوار وأن الله قادر على كل شيء، وقادر على الإعادة.
التعددية:
التعددية هي القول بوجود كائنات متعددة يتكون منها العالم متناقضة في ذلك مع الواحدية التي ترد إلى جوهر واحد وضد الثنائية التي ترجع العالم إلى مبدأين. التعدد تميزا عددا للأشخاص أو تمييزا للذرات المادية أو الروحية.
كل الكائنات متشابهة في طبيعتها ومتميزة بعضها عن بعض ولا نهائية في العدد، والجواهر متنوعة ،وكثيرة ولما كان ثمة كثرة من الجواهر فلابد أن تقوم بينهما علاقات سببية.
الوجود مادة وصورة:
المادة هي الجوهر ،وهي الموصوف والصوروة هي الصفة فصيرورة المادة تظهر صورة محل صورة بحسب حركة المادة الجوهرية. وما المادة إلا محض إمكانية للتشكل على شكل صورة.
المادة حركة، والحركة تغير والتغير هو الصورة التي تأخذها عند تحركها ،والشيء يتحدد من خلال الصورة التي يكون عليها الشيء عند التحرك ، الأشياء من حيث تسخير خير الإنسان أو شر قبل تسخير الإنسان لها محايدة.
أنواع الموجودات:
وجود خالق لا يسبقه العدم لأن العدم لا يخلق الموجود ،والخالق يخلق من العدم لأنه كان ولم يكن شيء مهم ،وسيكون لا شيء معه ،وخلق أشياء تنعدم وهي غير الأرواح ،والأرواح تغني صورتها الدنيوية لتدخل في الصورة البرزخية، ثم الصورة الأخروية ،فالله يعطي الروح قدرة الخلق كما يجب ، والله أزلي أبدي والروح ليست أزلية ،ولكنها أبدية ،والأشياء الأخرى تنعدم ،وقدرة الله على الخلق لا تتوقف أبدا.
براهين استقلال الروح عن الجسد:
إن وجود الله ،ووجود النفس من البراهين الفطرية ،وهي من اعتقادات العقل الفطرية التي فطر الله الناس عليها ،وذلك أن كل إنسان مسلم موجود شعوره ،ويرى أن كل حالة من حالات التفكير تقتضي مقدما حتى عندما ينكر وجود العقل فإن إنكاره موقف عقلي يدل على وجود العقل : فقول أحدنا أنا يدل على وجود الروح ،فأنا تعني أنني شيء مختلف كل الاختلاف عن أي شيء آخر، فلو شرب العالم بالنيابة عني ما رويت ،ولو أكلوا بالنيابة عني ما شبعت هذا الجوهر الفرد هو الأنا الذات الروح النفس.
أسبقية الروح على البدن:
الروح جوهر ،وليس عرض فالجوهر هو ما خلق الله ليبقى ويفنى ،ولكنه لا يعود إلى العدم ، فالأعراض تعد هناك وجود لا يخلق وهو الله ،فهو الأول فلذا هو المبدي وهو الآخر ، فلذا الآخر وليس بعده شيء، ولابد من وجوده لأنه قيوم الوجود بعد خلقه، فالأرواح وجدت قبل الوجود المادي ،وتبقى بعد الفناء المادي للكون يوم القيامة.
ولما كانت الروح جوهرا كاملا ،وكان اتصالها بالجسم اتصالا عرضيا وجب ألا تموت بموت البدن لأن كل شيء يفسد بفساد شيء ينبغي أن يكون متعلقا نوعا من التعلق ،والروح منفصلة في وجودها عن النفس تمام الانفصال ،والروح جوهر والجوهر واحد، وبسيط لا قسمة قيه ،ولا يفنى، ولا يعتريه فساد.
الروح تدرك أحوال نفسها وأفكارها المجردة ،وهي ليست من عالم الواقع المادي الموضوعي، والروح ليس لها ما يشبهها.
المعاد الأخروي:
الخلاف في مسألة المعاد ليس في وجوده وإنما الخلاف في صفة المعاد الأخروي تقتضيه تحقيق الإنصاف بين الناس في الحياة الدنيا وهذا يجرنا إلى موضوع الصفات.
الصفات:
الصفات هي أعراض تطرأ على الذات لأن الصفة تقتضي الموصوف،والصفة هي حالة من حالات الذات التي تتبدى بها وفق فطرتها.
الصفات تختزل إلى صفتين رئيستين هما : العلم والقدرة وهما صفتان ذاتيتان وهما اعتباران عقليان للذات القديمة والصفات لها وجود خارج الذهن ، والصفة عرض يعتري الموصوف ،فالعلم غير العالم وذلك أن الذات واحدة والصفات متعددة ،والذات لا تتعدد بتعدد الصفات ، الصفات إمكانيات تملكها الذات والصفات زائدة على الذات فإذا توقفت لا تخدم الذات والصفات مغايرة للذات ، والصفات مختلفة عن بعضها البعض ، والصفات لا توجد منفصلة عن الذات ، والصفة تقتضي موصوف لها فالذات قائمة بذاتها والصفات قائمة بها.
اختلاف الصفة عن الذات لا يعني اختلاف الذات لأن الذات إذا تغيرت أصبحت غير نفسها، والذات غاية في البساطة كوحدة مطلقة غير منقسمة ، وغير مادة فهي روح خالصة ، ولها القدرة على انكشاف الأشياء.
واجب الوجود:
هو الوجود الذي لا علة لوجوده والممكن ما لوجوده علة زائدة على ذاته. كل ممكن زائد على ذاته والكل بس ، ممكن على معنى أنه ليس له علة زائدة على ذاته خارجة عنه ، الله ذاته لا تتغير بمكان وزمان، فهو يعلم كل شيء في لحظة واحدة دفعة واحدة فالله لا يقاس بمخلوقاته وعلم الله يسبق المعلوم، فهو علة له أما علم الإنسان ،فهو متأخر عن المعلوم ومعلول عنه ، علم الله تام وعلم الإنسان ناقص وعلم الله شامل وعلم الإنسان جزئي.
إن ثمة إرادة قديمة جازمة أرادت بقاء العالم معدوما إلى حد بعيد فإذا وصل العالم إلى هذه النقطة انتقل من العدم إلى الوجود الحقيقي بمقتضى الإرادة القديمة الجازمة، ثم اختارت الإرادة وقت دون وقت لأن التخصص من شأن الإرادة دائما ،والفعل يأتي يحقق الإرادة فقد يتراخى الفعل عن المشيئة، والفعل قدرة على تحويل الممكن إلى الفعل، والعالم لم يزل ممكن الحدوث ولكن لا يلزم ذلك أنه موجود أبدا ، والقديم ليس ممكن الوجود بل واجبه والعالم ممكن لا واجب، ولا ممتع ومعنى كونه ممكن أي لا يتصور وقت إلا ويمكن إحداثه فيه.
.
العلة:
أنواعها:
1- الفاعلة.
2- الصورية.
3- المادية.
4- الغاية.
الجوهر هو الموصوف ،والأعراض هي الصفات ،والجوهر يوجد بمعزل عن صفاته، وصفاته ليست بمعزل عنه.
الصفات تتغير والجوهر لا يتغير فلو تغير أصبح غير نفسه والصفة هي الصورة ،والشكل الذي يكون عليه الكائن في جهة واحدة ، ووقت واحد .
أدلة وجوده الله تعالى:
1- الدليل الطبيعي:
يستدل على وجود الله تعالى بوجود مخلوقاته ، فالمخلوق يدل على الخالق لأن المخلوق لابد له من خالق، والخالق لا يحتاج إلى من يخلقه ،ولا يحتاج إلى من يساعده.

العالم:
العالم ملأ تام تنتشر فيه الجواهر المتمايزة تمايزا تاما فلا جوهر يشبه جوهرا على الإطلاق ،وهذه الجواهر تتغير صفاتها باستمرار ،وتتحرك من قوة في داخلها لا من خارجها. الجواهر أعلاها العاقل ثم الحيوان ثم النبات ثم الجماد ، فالجماد لا حياة فيه ،والنبات فيه حياة ،ويتحرك أفقيا والنبات حي يتحرك رأسيا ، والمكان مجرد ارتباط ،وترتيب للأجسام والزمان مجرد ترتيب لتعاقب الأحداث والحركة ليست إلا أثرا من آثار القوة.
الجوهر لا امتداد له، ولا شكل، ولا مكان، ولا زمان ،ولا حركة، والامتداد ،والشكل، والمكان ،والزمان، والحركة للصفات. الأجسام هي الصورة التي يتبدى بها الجوهر للخارج وللإدراك ، والأجسام تمتاز بالامتداد والامتداد يمتاز بالحركة وتتابع الحركات هو الزمان والمكان هو الحيز الذي ينتقل فيه المكين فوق الملأ عالم الظواهر هو العالم المادي وهو عالم الأعراض أما العالم الباطن، فهو الجوهر ،والذي يربط بين الجواهر هو علاقة السببية (القانون).
الروح هي جوهر الإنسان المسيطر على الجسم وأجزائه وتروح تقع لها إدراكات مختلفة ومتعاقبة وغير معتمدة على الجسم الذي يغير حالته باستمرار والأوامر تصدر للجسم بناء على وضع الله فيه من معاني تسير عليها الروح بحسب نظام الحياة ،فالروح واحدة في عالم الذر ،والرحم، والدنيا ،والبرزخ، والآخرة ،ولكن الإمكانيات تختلف من حياة إلى أخرى ،فالروح كلما تجردت من المادة سميت ، فالإمكانيات موجودة في الجوهر إنما يحفزها دخول الجواهر مع بعضها البعض حسب ما أراد الله لها المعاني داخل مباني والمباني هي الأجسام. والروح ترسل هذه المعاني للمباني المناسبة لها وهي الظواهر الكيميائية والفيزيائية.
الأفكار موجودة في الروح بشكل كامن ،وتخرج بالإيثار من العالم المحيط ،فتخرج من الكمون إلى الظهور ،فالتعلم يخرج المعلومات من الكمون إلى الظهور ،والمعرفة في أساسها كامنة في أرواحنا وهي في الأشياء كما أمر ربك إلى النحل ،وأوحى إلى الغرائز ،والشهوات ،والألم اللذة والسعادة والشقاء ،وأوحى إلينا فطرة بالمشاعر كل الاستعدادات إنها البرمجة الإلهية للجوهر، وإلى الأشياء كيف تتأثر بعضها بعض وما علينا إلا أن ندرس القوانين كي يسخرها من أجل الخير ،والجمال الخير هو تسخير القوانين لصالح البشرية جمعاء، والجمال هو تسخير الأشياء لجعلها ممتعة لنا.
ينحل العالم مما هو مركب إلى ما هو أقل في التركيب ، ولا يمكن أن يستمر هذا التحليل إلى ما لا نهاية بل لابد أن يتوقف هذا التحليل عند الوحدة الأولى البسيطة التي لا يمكن أن ينحل إلى أبسط منها ،وهذه الوحدة البسيطة الأولية هي الجوهر.
في مجال المنطق تحلل القضايا المركبة إلى أبسط منها ، ويؤدي التحليل في النهاية إلى التوقف عند القضية الأولية البسيطة ،وهذه القضية يرتبط فيها الموضوع بالمحمول أو بعده محمولات أو يتحد الموضوع فيها بالمحمولات.
عندما تحلل الأفكار إلى بسائطها يعبر عنها بالرموز، ويؤلف يبنها للتعبير عن الأشياء وعلاقاتها في العالم حيث نعبر عن البسائط بالألفاظ ثم نربطها معا ، ثم نطلق تسميات على التأليفات كل حسب ما تحتويه من بسائط لنحصل على معرفة كل محمولات الشيء من مجرد معرفة اسم الشيء ،ويترتب على ذلك النتائج التالية:
1- من الممكن إرجاع جميع التصورات إلى تصورات بسيطة.
2- يمكن تأليف كل التصورات المركبة إذا ما رتبنا البسائط.
3- لا يوجد إلا عدد قليل من الأفكار ولكن الكثرة تتولد عنها بالتركيب.
4- يجب الرمز إلى الأفكار البسيطة بألفاظ بسيطة، وإلى الأفكار بألفاظ مركبة.
5- التفكير يتكون من الكشف عن كل العلاقات الموجودة بين البسائط ، والبسيط الجوهر هو الموضوع (الموصوف) والموصوف يضمن صفات خاصة به، أي فكرة الجوهر تتضمن كل ما يدخل فيه من صفات سواء كانت جوهرية أو عرضية في الماضي أو في الحاضر أو في المستقبل.
فالقضية ذات الموضوع، والمحمول هي الوحدة الأولية أو القضية التحليلية التي تقوم ،وتتشكل وتتركب عليها كل أنواع المعرفة.
الله تعالى موجود بذاته وخالق كل شيء سواه ، وهو ليس كمثله شيء له الأسماء الحسنى والصفات العليا وهو خالق كل شيء، وهو الأول والآخر، وهو بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير ،وهو فعال لما يريد.

تحليل العالم ليس مستقلا عن تحليل اللغة ولا عن تحليل الفكر ونحن نعبر عن أنفسنا بواسطة القضايا ، فاللغة هي مجموع القضايا ولما كانت القضية هي كل قول يعبر عن معنى أي يفيد خبرا يحتمل الصدق والكذب. كانت اللغة بالتالي هي مجموعة الأقوال التي تنقل إلينا معنى يمكن الحكم عليه بالصدق أو الكذب.
إن مجموع القضايا يشير إلى العالم ، وبينما تكون القضايا الصادقة تعبيرا عن الوقائع الموجودة. تتكون القضية الأولية من أسماء ،والاسم يشير إلى شيء والأشياء مترابطة في الوجود الخارجي والاسم يدل على شيء بعينه ،والأشياء ترتبط بعلاقات ،وكذلك الأسماء تربط بعلاقات لغويا ورياضيا. العالم ليس وحدة واحدة بل أشياء مترابطة رغم أن كل شيء مستقل عن الآخر.
التوحيد : رد الأمر فيما فوق القدرة البشرية ،والأسباب الكونية إلى الله وحده ، فالله وحده هو الذي يعين العبد فيما عجز عن الوصول إليه من الأهداف ،فالله ،وحده الحي القيوم والمهيمن على كل شيء. فالله وحده الذي يمنع والذي يعطي الغير ،فالإنسان يمتاز على غيره بأنه مفكر مختار في عمله على مقتضى فكره هو يثاب ،ويعاقب على ما اختاره عن علم ونية.
الرسالة العامة:
الله هو وحده الذي يعلم ما الذي ينبغي لنا فعله، وما الذي ينبغي لنا تركه وما الذي يجب أن نعتقد تجاه ذاته سبحانه وأسمائه وصفاته ،وهذا يكون بإرسال رسل يكونون قدوة فيما أوحى الله إليه من رأي ونهي.
وتتضمن رسالة الإسلام الاعتقاد ببقاء الروح بعد مفارقة بقاء تحيا به ، وهذه الحياة خافية على أهل الدنيا ، وحياة الروح في عالم البرزخ في منازل بحسب العمل في الدنيا ، والروح في حياة البرزخ لها جسد برزخي ،ووجود الروح في حياة برزخية إيمان فطري جاء به الإسلام على أيد الرسل عليهم السلام ،ويدل على ذلك بقائه في كل الأمم.
الدنيات:
التثليث الذي تقوم عليه نصرانية بولس وبطريرك الإسكندرية إنما هو إرب وثني ضارب في القدم. يقول صاحب كتاب ( الآثار الهندية القديمة ) : ( كان لدى أكثر الأمم البائدة تعاليم دينية تقول باللاهوت الثلاثي ) ويقول النصراني دوان في كتابه ( خرافات التوراة والإنجيل) : إذا رجعنا البصر نحو الهند نرى أشهر عباداتهم التثليث، ويعبرون عنه بالأقانيم الثلاثة ( برهما وفشنو وسيفا ) ويؤمنون بأن هذه الثلاثة تشكل ثلاث هيئات لشيء واحد كما يقول النصارى ( أب وابن وروح قدس إله واحد ...) ويقول فابر في كتابه ( أصل الوثنية ) إن بوذيي الصين يعبدون إلها مثلث الأقانيم يسمونه (فاو) وعن هذه العقيدة يقول داون : ( إنه شيعة فاو يزعمون أنه العقل الأبدي عندهم ) انبثق منه واحد ، ومن هذا انبثق ثان ، ومن هذا انبثق ثالث ومن اثلاثة صدر كل شيء ( وقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ، ذلك قولهم بأفواههم يضامون قول الذين كفروا من قبل ).
هذا القول قول بالأفواه لا قول بالعقول بل هو ترديد وتقليد. وفي كتابه (سقوط الحضارة) المترجم إلى العربية ، تأليف (كولن ولسن) يقول : ( إن المسيحية لم ترتكز على تعاليم المسيح بل ارتكزت على عقيدة وهمية اخترعها بولس، وينقل عن نيتشه قوله : ( لقد كانت دعوة المسيح في جوهرها دعوة إلى النظام ،والقوة أما بولس فقد حولها إلى دين صار ملاذا للخائفين والمذعورين) ، إن عيسى عليه السلام لم يدعو إلا إلى الإسلام دين جميع الأنبياء أما مسيحية بولس المتعلم في الإسكندرية إنما أخذ آلهة قدماء المصريين (ايزيس وهورس وسيزابيس)، وحولها إلى الأب والابن والروح القدس.
يجمع المؤرخون ،ومفكرو الغرب على تأثير بولس الكلي في مسيحية عيسى عليه السلام ،وفي ذلك اتهام صريح بأن التأثير وقع من الوثنية على الإسلام الذي جاء به المسيح.
بعد أن فرغنا من تقصي الأصل الوثني لمبادئ التثليث الأفلاطوني بات لزاما علينا أن ننتقل إلى الأصل الثاني لنصرانية بولس ،ونعني به مبدأ الفداء ويلخص في النقاط التالية:
خطيئة آدم يتحملها أبناؤه ،ولكن عيسى عليه السلام صلب ليكفر عن هذه الخطيئة، والأمر الذي لا ريب فيه هو أن عقيدة الفداء هذه تراث وثني عريق شأنها شأن التثليث ،فالوثنيون القدامى يكادون يجمعون على تقديم الذبيحة البشرية استرضاء لآلهتهم يشترك في ذلك الرومان، واليونان ،والمصريون والهنود وغيرهم.
يقول داون : ( يعتقد الهنود بأن كرشنا قدم نفسه ذبيحة ليخلص أهل الأرض من أوزار الخطيئة ، وهو مصور في كتبهم مثقوب اليدين والرجلين ومعلقا على الصليب). وفي أغاني البوذيين الدينية لبوذا يقولون : ( عانيت الاضطهاد والامتهان والسجن والموت والقتل بصبر، وحب عظيم لجلب السعادة للناس) ويدعونه ( الطيب العظيم مخلص العالم ، والمسيح المولود الوحيد ، وأنه قدم نفسه ذبيحة ليكفر آثام البشر ). ويروي المؤرخ موري في كتابه (الخرافات ) أن المصريين يعدون أوسيريس أعظم مثال لتقديم النفس ذبيحة لينال الناس الحياة ،والسوريون القدامى يزعمون أن معبودهم تموز المولود من عذراء تألم من أجل الناس وفداهم بتقديم نفسه للصليب.
إن قول النصارى بصلب عيسى عليه السلام فداء للجنس البشري ليس له إلا صدى لما يجري عليه عباد الأوثان من أقدم الأزمان. وهناك كتاب بعنوان (أسطورة تجسيد الإله) كتبه سبعة من أبرز علماء اللاهوت في انجلترا، ويقيم هذا الكتاب بالبراهين على أن عيسى عليه السلام ليس ابن الله ،وإنما هو بشر مثلنا ،وأنه لم يقل في حياته إطلاقا إنه رب أو ابن الله، وهذه الافتراءات اقتبست من اليهود ،واليونانيين والرومانيين ، والتصور الوثني يصور الرب على شكل إنسان إذ كان يعتقد الوثنيون أن الأباطرة ينحدرون من سلالة الآلهة.



.
أنواع الموجودات:
وجود خالق لا يسبقه العدم لأن العدم لا يخلق الموجود ،والخالق يخلق من العدم لأنه كان ولم يكن شيء مهم ،وسيكون لا شيء معه وخلق أشياء تنعدم، وهي غير الأرواح ،والأرواح تغني صورتها الدنيوية لتدخل في الصورة البرزخية، ثم الصورة الأخروية ،فالله يعطي الروح قدرة الخلق كما يجب ، والله أزلي أبدي ،والروح ليست أزلية ولكنها أبدية ،والأشياء الأخرى تنعدم، وقدرة الله على الخلق لا تتوقف أبدا.

الجوهر:
الجوهر هو الأصغر الذي ليس أصغر منه شيء ،والذي أصغر منه العدم، والجوهر هو الثابت وراء الصفات المتغيرة ،والجوهر متصل لا ينفصل عن نفسه وإذا انفصل عن نفسه أصبح اثنين على الأقل وكل واحد من الاثنين مستقل عن الآخر ،والاستقلال يدل على التعدد ،والجوهر لا تعدد فيه ـ،ولا تكثر الجوهر له صفات وأفعال ،والجوهر ميولي ،وهي المادة الأساسية أو الأصلية أو الذات الحاملة للأعراض والصفات. والأعراض هي الصور التي يتميز بها الجوهر عن غيره ومع غيره.
الجوهر عدديا واحد ،وهو متصل ،والجوهر الإنساني هو الروح ،والروح هو الحي الذي لا يموت بل ينتقل من عالم الذر إلى الرحم ،والدنيا ،والبرزخ،والآخرة فيتغير من حالة إلى حالة دون أن يفقد هويته. إن الموجود جوهرا أو عرضا ،والأعراض لا قيام لها بذاتها والجوهر هو الذي يقوم بذاته ، والحركة هي تغيرات صور الجوهر والحركة ليست أزلية ، إنما خلقها الله ،وكذلك ليست أزلية ،فالروح ليست أزلية ،ولكنها أبدية فالله وحده الأزلي الأبدي ،والأعراض ليست أزلية وليست أبدية، فالله هو الدائم فلا زمان له، لأن الزمان خلق من خلقه وهو باقي بعد فناء كل شيء، فالجوهر فارغ من الأعراض ،والله هو الذي يبرمج صفاته فيبدل الأشياء في عالم الآخرة عالم الجواهر.
الجوهر مقدار لا تأليف فيه ،ولا اجتماع قط ،ولا يتجزأ إلى أصغر منه ،ولو لم يوجد الجوهر لكان الماشي الذي يقطع مسافة متناهية يقطع مالا نهاية لأن هذه المسافة تقبل القسمة إلى غير نهاية.
إن الجرم يليه جزء ينقطع ذلك الجرم فيه ، وذلك أن للجوهر نهاية. لو كان الجوهر لا نهاية له في التجزؤ لكان لا نهاية لكبره.
تتمايز الجواهر بصفاتها ،وكل جوهر فيه صفة ليست في غيره ،وصفة الروح الوعي والشعور، فالصفة العقلية الوعي، والصفة الوجدانية هي الشعور ،والصفة السلوكية هي الإرادة ،والصفة الخارجية للجوهر الشكل الناتج عن الحركة ،والأحوال هي صفات الحركة.
الصفات الذاتية هي الثبات ،والوحدة ،والاتصال ، الله تعالى واحد أحد فرد ،وخلق الأرواح ،فهو أزلي ،وأبدي، والروح أبدية وليست أزلية لأن الله خلقها من العدم ،وخلق المادية وهي فانية ليست أبدية لأنها أعراض تفنى ، فالله غني عن غيره وغيره ليس غني عنه. وكل خلقه سبحانه معتمد عليه وهم الفقراء إليه ، وهو خالق كل شيء وهو يحفظها باستمرار في الوجود ،وهو خالق كل حقائق العالم ،فهو قيوم الخلق ،وهو كل يوم في شأن، والله سبحانه كامل من المستحيل أن يكون ناقصا ،فلذا من المستحيل أن تكون قدرته محدودة ومشيئته محدودة ،وهو فعال لما يريد ،وهو على كل شيء قدير، فالله هو الأول، والآخر.


السببية:
إن الاقتران بين ظاهرتين يعني أن إحداهما علة ،وسبب خاص في وجود الأخرى ،وهذا السبب قانون كوني يعطي النتيجة في كل وقت إذا توفرت الشروط الموضوعية لذلك. السبب يعطي دائما النتيجة نفسها في كل زمان إذا تحققت الشروط الموضوعية لذلك.



العالم:
يتكون العالم من أشياء ،ومن صور (هيئات) حالات الأشياء وصفاتها، تشكل الأشياء (الجواهر) والتصور الذهني لهذه الأشياء هو معناها في الزمن ،وحقيقتها في الأشياء خارج الإدراك سواء كان الإدراك الخارجي أو مشاعر. ويكون اللفظ حقيقي إذا تصور شيئا موجودا، فدلالة الكلمة تكون بإحالتها العينية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق