الاثنين، 9 يناير 2012

الفلسفة والعلم
هدف كل من العلم الفلسفة صياغة القوانين النظرية الكلية المجردة ،ولكن قوانين الفلسفة أعم وأوسع وأكثر شمولاً، فلذا تسمى الفلسفة بالعلم الجامع أو علم العلوم بينما العلم موضوع العلم ضيق ومتخصص ، ويبقى التجريد والتعميم مما يتفق عليه العلم والفلسفة، والفلسفة تتوخى ملاحظة الجزئيات ثم استخلاص القانون الكلي والمبدأ العام الذي يعمها جميعاً معتمدة في ذلك الاستقصاء ،والاستنباط هدف الفلسفة إدراك الحقيقة الكلية ،ومواضيع الفلسفة الوجود والمعرفة والقيمة.
أولاً: الوجود:
الوجود معنى عام يشمل كل ما ليس بمعدوم ،والموجود هو الوجود القيمية المشخص الجوهر، فالموجودات تتشابه تشابه كلي وهو التشابه بأن الجواهر موجودة ،ومختلفة عن بعضها اختلاف مطلق ،والموجود لها صفات عامة تميز النوع وصفات خاصة تميز الشيء العيني (الجوهر) فالوجود أصله أنه الله خلقه من العدم ،ومصير الأشياء الفناء إلا الروح فإنها خلقت من العدم ،ولا تعود إلى العدم والجوهر ليس أزلي، فلا أزلي إلا الله فالأشياء لها بداية في الزمن ،فهي مخلوقة فالله ليس له بداية لأنه خالق الزمن ،فالأشياء مخلوقة خلقها الله بإرادته وقدرته ،وهو بكل شيء قدير وبكل شيء عليم والأشياء ثابتة ،والنصر عرضي وهو تغير في الصفات وليس في الذات ،فالله خلق الأشياء وركز فيها قوانينه ولم يتركها بل هو قيوم عليها يوالي تدبيره لها وعنايته بها ،فالحوادث الكونية تسير وفق خطة وضعها الله تسمى القدر.
فالله خلق الخلق ليعبدوه ،وخلق الناس ليبلوهم أيمهم أحسن عملاً ،فكل ما يجري في الكون من أحداث ينتج بعضها عن بعض يحكم قوانين الحركة الذاتية للموجودات التي خلقها الله في الموجودات، فليس في الكون صدفة بل الكون تحكمه العلية فالفكر يعتمد على مقدمات ونتائج وأعمال الإنسان توجهها النية، والإرادة والإنسانية عندما تكشف القوانين تسخرها.
المعرفة
المعرفة ممكنة بالتدريج ،فالمعرفة إذا كانت حقيقية فهي يقينية والاحتمال عدم تأكد مما نعرفه ،فالحقيقة مطلقة فنحن قد نظن أننا اكتشفنا الحقيقة، ولكننا لم نكتشفها بدليل أننا قد نكتشف أن ما كنا نظنه حقيقة أصبح وهم.
الحقيقة لا تختلف باختلاف الحال ،ولا باختلاف المكان والزمان ، المعرفة ممكنة وواقعة فعلاً لأن حقائق الأشياء ثابتة ومعرفتها جائزة.
مصدر المعرفة:
المعرفة العقلية مصدرها العقل الذي فيه مبادئ فطرية لم تشتق من تجربة كمبدأ الذاتية الذي مفاده أن (الشيء عين ذاته، ويستحيل أن يكون شيئاً آخر ومبدأ عدم التناقص الذي مفاده أن الشيء يستحيل أن يكون موجوداً ومعدوماً في آن واحد).
والأوليات الرياضية مثل : المتساويان لثالث متساويان والبديهيات المنطقية مثل: الكل أكبر من الجزء. والمعرفة الحسية مصدرها الحواس ،والملاحظة والتجربة وهي معرفة تجريبية بعدية تشتق من التجربة ولاحقة عليها، فالمعارف الحسية معارف أصلها إدراكات وانطباعات حسية تنقلها الحواس من عالم الظواهر ،والوقائع المادية المتغيرة باستمرار إلى العقل.
إذن مصادر المعرفة هي الحس ،والعقل معاً فبعض المعارف أولية قبلية عقلية فطرية ،وبعضها انطباعات تنقلها الحواس إلى العقل، فالمعارف العقلية صورية تتذكرها العقل من ذاكرته الفطرية (الخلد) وأما المعارف التي مصدرها الإدراك الحسي ،فهي صورة عن الواقع الخارجي وإدراك النفس لأعرافها الشعورية فيتم عن طريق البصيرة وهو ما يسمى بالذوق والتجربة الشعورية.
ومعيار الصدق العقلي هو اتساق الفكر وعدم التناقض ،وهو ما يسمى بالصواب أما الصدق في المعارف الحسية فهو مطابقة التصور للواقع والتحقق من الصدق في ذلك بالملاحظة والتجربة.
،فالمعرفة إما يقينية أو ،وهمية أو ظنية.
ثالثاً: القيم:
وفي القيم ينصرف الفكر إلى دراسة القيمة الأخلاقية وهي الخير والقيم المعرفية وهي الحقيقة ،والقيمة الفنية وهي الجمال.
وما القيم إلا مبادئ ،ومثل مجردة عامة غير مشخصة تتجاوز الزمان والمكان ومن ثم فهي أزلية أبدية غير متغيرة ، مستقلة قائمة واضحة لذاتها وصادقة بالضرورة ،وتدارك بالبداهة المباشرة وبالحدس وتبدو في صورة أوامر مطلقة يفرحته الضمير علينا فهي غير مشروطة بمنفعة أو هدف مادي يستجاب له الإنسان ،ولا يحد تقليلاً إلا أنها فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله وجاء الوحي الا وهي منذ آدم إلى محمد خاتم الأنبياء والمرسلين تحت ما يسمى بالإسلام.
فالأخلاق أصلها فطري ،وإسلامي جاء بها الإسلام وأما يخالفها فهي الأعراف والتقاليد التي جاء الرسل لإبقاء ما يناسب القيم وإلغاء ما يعارفها. ،فالقيم معان تتبع إرادة الله فالحسن ما أمر الله به وإرادة في الفطرة وجاء به الوحي، والقبح ما نهي الله تعالى عنه لأن العقل عاجز عن إدراك ذلك لنفسه وبنفسه فالله أعلمخ بمن خلق.
ويتعلق بالقيم الالتزامات الاجتماعية ،فالموجود الواقعي ،والحقيقي أفراد المجتمع يدخلون في علاقات مع بعضهم البعض ليوفروا الأمن والرخاء للجميع وهذا العلاقات هي التي توجب على الفرد أن يقوم بدوره المناط به كعضو في مؤسسة للمجتمع الكبرى بالدور الذي يقوم به الفرد في المجتمع فرض كفاية، وذلك لأن المجتمع مسؤول مسؤولية تضامنية تجاه أفراده ممثلاً في الدولة.
الفلسفة والقيم
تستهدف الفلسفة تسخير قوانين الكون بعد اكتشافها لمصلحة الإنسان ،وتنمية الذات الإنسانية.
فالفلسفة تبحث في أصل الوجود ،فتقول أنه خلقه الله من العدم والله أحدج لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ليس كمثله شيء وهو الأول الذي ليس قبله شيء ،والآخر الذي ليس بعده شيء وهو المبدي والمعيد فالكون ما دام أشياء متباين ،فهو إذن جوهر ،وأعراض وجوهر الإنسان روحه ،والصفة العامة التي تشمل كل الكائنات هو الوجود والله كائن أزلي أبدي أي سرمدي ،فالروح ليست سرمدية لأنها مخلوقة ،فهي بذلك ليست أزلية ولكنها أبدية تختلف أعراضها في عالم الذر وفي عالم الرحم وفي العالم الدنيوي ،والعالم البرزخي والعالم الآخروي.
الله وحده الذي لا يتعدد لأنه كامل والكامل لا يتعدد لأنه غني ،وخلقه فقراء إلى الله ويحتاج بعضهم إلى بعض فعلاقة السببية تدل على الأشياء مترابطة مع بعضها البعض ،والله هو خالق علاقة السببية.
الفلسفة تدرس العالم الموضوعي والإنسان وجوداً وسلوكاً ومصيراً والسلوك تنظر إليه نظره ما ينبغي أن يفعله الإنسان تجاه أخيه الإنسان فيجب أن يعامله كما يعامل نفسه أي يجب أن يساوي أي إنسان بأي إنسان في الكرامة والاحترام والاهتمام أي يجعله غاية وما سواه من الجماد، والبنات والحيوان ،وسيلة لإشباع حاجات الإنسان فلذا لا يجوز جعل إنسان أداة في يد أي إنسان قال صلى الله عليه وسلم (الناس سواسية كأسنان المشط لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى)، فالناس تفاضل فيما يقدمه للناس من خير والله وحده الذي يعرف المفاضلة الدقيقة لأنه يعلم السر وأخفى الإنسان غاية الأشياء ،والإنسان غايته عبادة الله أي عمل الخير من السعادة بإرضاء الله قال تعالى:(ألا بذكر الله تطمئن القلوب) الرعد: ٢٨ ،(ومن أعرض عن ذكري فإن لع معيشة ضنكا) طه: ١٢٤.
الثبات والصيرورة:
المبادئ العقلية والحقائق الحسية ،والوجدانية والسلوكية وكل ما يصفه العقل ثابت فمن المستحيل وصف الشيء بصفة في نفس الجهة وفي نفس ثم ننفي هذا الوصف لأنه من المستحيل أن يكون الشيء هو وليس هو والصفة هي وليس هي ،والعلاقة السببية بين الأشياء هي التي تظهر الصفات المختلفة بحسب الارتباطات والأشياء فيها قابلية لإظهار صفاتها بحسب الارتباطات بالأشياء وهذا ما يسمى بالقانون، والجواهر والقوانين التي تحكمها ثانية لأنها سنة الله في الأشياء ولن تجد لسنة الله تبديلاً إلا في حالة المعجزات وما المعجزات إلا تبديل في برنامج الشريحة الوجودية لأن الله إذا أراد قال للشيء كن فيكون ،والأشياء أوحى الله إليها برنامجها وهو ما يسمى بهداية الله الفطرية فنار إبراهيم قال لها كوني برداً وسلاماً فكانت برداً وسلاماً على إبراهيم فالعقل أوحى الله إليه كما أوحى ربك إلى النحل حيث أوحى إليه المبادئ العقلية والقيمية، فالكفر هو ستر المبادئ الفطرية التي أكدها الوحي ،ووسيلة استخراج هذه المبادئ تعلم مبادئ الوحي الإسلام ،فالروح هبطت من روح الذر ومعها مبادئها الفطرية.
وهذه الأفكار الفطرية عامة ،ومشتركة للموجودات وهي الأفكار الأعم التي لا يوجد أعم منها.
الصيرورة في العالم المادي الذي تتبدى فيه أشكال الروح للتعبير عن حركتها الذاتية ،فالمادة هي الثوب الذي تلبسه الروح ليناسب العالم الدنيوي مثل لباس رائد الفضاء ليناسب ضعف الجاذبية والموت هو خلع الثوب المادي ،وليس ثوب برزخي ثم لبس ثوب أخروي حيث البعث.
الأفكار هي معاني عامة مشتركة ،وهذه تسمى فلسفياً بالمثل ،وهذه المعاني ليس لها محل إلا في الروح حتى وإن كانت مصدر الحس كانطباعات عدة الواقع الموضوعي الخارجي ، فالمعاني الحسية تعكس الواقع وتطبق على أفراد الواقع الموضوعي فكلمة إنسان نطبقها على أحمد وزيد ،وعمر وخالد .. إلى أخوه فإطلاق الفكرة (المعنى) على أحمد هو إنزال الفكرة .. من الذهن ،وإلصاقها بالمعين أو الشيء العيني ،فالمعنى في الأذهان ينزل إلى أحد أفراد العيان، فهو يبدأ من العيان ثم الأذهان وهكذا فالتعميم صفة للمعنى والتخصيص للتشخيص للشخص للشيء المعين في العيان.
الأشياء عبارة أن استعداد مطلق للتشكل في صور بحسب العلاقات التي تدخل فيها الأشياء في ارتباطات فهذه الاختلافات تأتي للهيولي (المادة المحايدة) بسبب علاقة العلة بالمعلول.
الهيولي كالصلصال الذي يشكله كيف تشاء من الصور ،فهو حين التشكل لا يفقد جوهرة وهو كونه أنه صلصال فالصورة جاءت من مشيئة الذي شكلها والله خلق الإنسان ،والأشياء من عدم أمن الصانع البشري فقد صنع الشيء من شيء آخر.
والصانع يصنع الأشياء لأغراض، وهي خدمة الصانع نفسه أما الله فهو غني عن العالماين إذن يريد للإنسان أن يسعده في الدنيا باتباع تعاليمه وبما أن السعادة في الدنيا ناقصة فهي الآخرة كاملة فما دام الكمال لم يخلقه الله في الحياة الدنيا ،فهو الآخرة وما دام الناس اختاروا أن يكونوا مختارين فلا بد من تحمل مسؤولية الإنسان عن إسعاد الإنسان تقصيره في ذلك كل بحسب قدرته فالذي يسعد الناس يثاب بسعادة كاملة لأن السعادة في الآخرة على مستوى قدرة الله ،والسعادة في الدنيا على حسب ما تستطيع.
المبادئ الفلسفية
المبادئ الفلسفية نتيجة التجريد المطلق والدقة المتناهية من حيث أنها تتعلق بدراسة أقل عدد ممكن من المبادئ والعلل ،وأصل المبادئ الفلسفة مبدأ عدم التناقض، ومبدأ العلية.
أصنام العلوم
1. العلوم الرياضية والمنطقية: وتشمل دراسة العلوم الصورية كالرياضيات والمنطق والتي يكون مقياس الصدق والتثبت فيها هو اتساق الفكر بين المقدمات والنتائج، وتصطنع مناهج استدلالية صورية مقدماتها فروض ومسلمات ومبادئ أولية واضحة بذاتها تدرك مباشرة بالحدس ومجالها المباحث الرياضية والمنطقية المجردة ،وغايتها صياغة قوانين الكم عدداً (الحساب) ،وشكلاً الهندسة وتتميز بالضرورة والدقة و اليقين ، وهذه العلوم تقوم على تصورات عقلية مفصلة معطيات الواقع.
2. العلوم الطبيعية: تدرس أفراد العالم الموضوعي عن طريق الملاحظة والتجربة ،والتحقيق يتم عن طريق المطالبة تبين نتائج الكاشف العلمي للواقع التجريبي ، وعرض هذه العلوم وضع قوانين نظرية وتفسيرات وصفية تكتشف عن العلاقات العلية الطردة بين الظواهر الطبيعة ،وتعتمد في دراستها الاستقرائية على مبدأ الحتمية والعلية ،والاطراد في الوقوع مما يجعلنا نتوقع مستقبلاً نفموضوع العلوم الطبيعية الواقع الموضوعي وهدفها وصف الظاهرة الطبيعية ،ووصف مسارها والتعرف على علتها مما يجعلنا نستطيع أن نفسر ونتحكم ونتوقع ونعتمد هذه العلوم على الرياضيات.
3. العلوم الإنسانية ، العلوم الطبيعية تدرس ما هو مادي واقعي مشخص، والعلوم الإنسانية تدرس سلوك الإنسان وسلوك الإنسان يوجهه الفكر يفسره النية والقصد ،فالعلوم الطبيعية نصف ماهو كائن أما العلوم الإنسانية تدرس الإرادة الإنسانية ودراسة الإرادة الإنسانية دراسة معيارية لأنها نصف ما ينبغي أن يفعل وتحويل ما ينبغي أن يفعل إلى ما ينبغي أن يكون فمنهج العلوم الإنسانية هو المقارنة لمعرفة المطرد في السلوك النمطي المشترك ،وهو دراسة التوافق والاتفاق والنمط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق