السبت، 7 يناير 2012

المصدر الأساسي للمعرفة
كيف نشأت المعرفة عند الإنسان:
ينقسم الإدراك إلى نوعين : التصور وهو الإدراك الساذج والاخزال تصديق وهو الإدراك المنطوي على حكم ، فالتصور ، تصورنا لمعنى الحرارة أو النور أو الصوت أو التصديق كتصديقنا بأن الحرارة طاقة مستوردة من الشمس، وأن الشمس أنور من القمر وأن الذرة قابلة للانفجار.
الذهن ينطوي على قسمين من التصورات أحدهما المعاني التصورية البسيطة كمعاني الوجود والوحدة والقسم الآخر المعاني الركبة التي هي نتاج الجميع بين التصورات البسيطة، فقد نتصور (جيلاً من تراب) وتتصور (قطعة من ذهب) ثم تركب بين هذين التصورين فيحصل بالتركيب تصور ثالث وهو (تصور جبل من الذهب) فهذا التصور في الحقيقة مركب من التصورين الأولين، وهكذا ترجع جميع التصورات المركبة إلى مفردات تصورية بسيطة والمسألة التي نعالجها هي محاولة معرفة المصدر الحقيقي بهذه المفردات وسبب انبثاق هذه التصورات البسيطة في الإدراك الإنساني.
1 – نظريات الاستذكار الأفلاطونية:
وهي النظرية القائلة بأن الإدراك عملية استذكار للمعلومات السابقة، وأن المعاني المحسوسة هي نفسها المعاني العامة التي يدركها العقل بعد تجريدها عن الخصائص المميزة للأفراد واستيفاء المعنى المشترك، والمعنى المشترك نتاج عملية التجريد العقلية واستخلاص المعنى العام منها.
2 – النظريات العقلية:
وتتلخص هذه النظرية في الاعتقاد بوجود مصدرين للتصورات أحدهما الإحساس فنحن نتصور الحرارة والنور والطعم والصوت لاجل إحساسنا بذلك كله، والآخر الفطرة بمعنى أن الذهن البشري يملك معانٍ وتصور لم يكن مصدرها لاحس وإنما هي ثابتة في صهيم الفطرة فالنفس تستنبط من ذاتها مثل الإيمان بالله والمعاني غير المحسوسة.
إن الإنسان لحظة وجوده على وجه الأرض لا توجد لديه أية فكرة مهما كانت واضحة وعامة في الذهن ، ولكن الأفكار الفطرية موجودة في النفس بالقوة وتكتسب صفة العقلية بتطور النفس وتكاملها الذهني ، فليس التصور الفطري نابعاً من الحسن وإنما يحتويه وجود النفس لا شعورياً، وبتكامل النفس يصبح إدراكاً شعورياً واضحاً ، كما هو شأن الإدراكات والمعلومات التي تستذكرها وتثيرها من جديد بعد أن كانت كامنة وموجودة بالقوة.
قال تعالى: (والله الذي أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون).
والنظرية العقلية على ضوء هذا التفسير لا يمكن أن ترد بالبرهان الفلسفي أو الدليل العلمي السابقة.
3 – النظرية الحسية:
وهي النظرية القائلة أن الإحساس هو الممون الوحيد للذهن البشري بالتصورات والمعاني ، والقوة الذهنية هي القوة العاكسة للإحساسات المختلفة في الذهن ، فنحن وحين نحس بالشيء نستطيع أن نتصوره ــ أي نأخذ صورة عنه في ذهننا وأما المعاني التي لا يمتد إليها الحس فلا يمكن للنفس ابتداعها وابتكارها ذاتياً وبصورة مستقلة.
وليس للذهن إلا التصرف في صور المعاني المحسوسة بالتركيب والتجزئة أو بالتجريد والتعميم.
4 – نظرية الانتزاع:
تنقسم التصورات الذهنية إلى قسمين تصورات أولية وتصورات ثانوية ، فالتصورات الأولية هي الأساس التصوري للذهن البشري ، وتتولد هذه التصورات من الإحساس بمحتوياتها بصورة مباشرة ، مثل تصور الحرارة بإدراكها باللمس وتصور اللون بإدراكه بالبصر، وتصور الحلاوة بإدراكها بالذوق ، ونتصور الرائحة بإدراكها بالشم وهكذا جميع المعاني المدركة بالحواس ووجود فكرة عن الأشياء هو الإحساس، والذهن ينشئ التصورات الثانوية بناءً على التصورات الأولية والمفاهيم الثانوية انتزاعية يبتكرها الذهن على ضوء المعاني المحسوسة.
التصديق:
ينطوي التصديق على حكم ويحصل به الإنسان على معرفة موضوعية.
إن المعارف الأولية إن كانت تحصل للإنسان بالتدريج والتدريج باعتبار الحركة الجوهرية والتطور في النفس الإنسانية وبذلك نزداد كمالاً ووعداً للمعلومات الأولية والمبادئ الأساسية فيفتح ما كمن فيها من طاقات وقوى.
النفس تنطوي بالقوى على المعارف الأولية وبالحركة الجوهرية يزداد وجودها شدة حتى تصبح تلك المدركات بالقوة مدركات بالفعل التصور عبارة عن وجود صورة لمعنى من المعاني في مداركنا الخاصة، فقد توجد الصورة في حواسنا فيكون وجودها كذلك يكون للإحساس بها، وقد تكون في مخيلتنا التخيل ، وقد توجد الصورة بمعناها التجريدي العام في الذهن تسمى تعقلاً.
والإحساس والتخيل والتعقل ألوان من التصور وأنحاء لوجود صور الأشياء في المدارك البشرية.
فنحن نتصور التفاحة على الشجرة بالإحساس بها عن طريق الرؤية ، ومعنى إحساسنا بها وجود صورتها في حواسنا ، ونحتفظ بعد ذلك بهذه الصورة بعد انصرافنا عن الشجرة في ذهننا وهذا الوجود هو التخيل ، ويمكننا بعد ذلك أن نسقط من هذه الخصائص التي تمتاز بها عند التفاحة الأخرى ، ونستبقى المعنى العام منها ، أي معنى التفاحة بصفة كلية وهذه الصورة الكلية هي التعقل ، فهذه مراحل ثلاثة من التصور يجتازها الإدراك البشري وهو لا يعبر في كل مرحلة إلا عن وجود صورة في بعض مداركنا ، فالتصور بصفة عامة لا يعدو أن يكون وجود لصورة ما في مداركنا ، سواء أكان تصوراً واضحاً كالإحساس أم باهتاً كالتخيل والتعقل، وهو لذلك لا يمكن أن يشق لنا الطريق إلى ما وراء هذه الصورة التي نتصورها في مداركنا ، ولا يكفي للانتقال من المجال الذاتي إلى المجال الموضوعي، لأن وجود صورة للمعنى في مداركنا شيء ، ووجود ذلك المعنى بصورة موضوعية ومستقلة عنا في الخارج شيء آخر، ولذا قد يجعلنا الإحساس نتصور أموراً عديدة لا نؤمن بأن لها واقعاً موضوعياً مستقلاً، فنحن فنتصور العصا المغموسة في الماء وهي مكسورة ، ولكننا نعلم بأن العصا لم تنكسر حقاً في الماء ، وإنما نحسها كذلك بسبب انكسار أشعة الضوء في الماء ، ونتصور الماء الدافئ حار جداً حين نضع يدنا فيه وهي شديدة البرودة ، مع يقينا بأن الحرارة التي أحسنا بها ليس لها واقع موضوعي.
وأما التصديق فهو نقطة الانطلاق من التصورية إلى الموضوعية ، والمعرفة التصديقية فهي عبارة عن حكم النفس بوجود حقيقة من الحقائق وراء المقصود مثل قولنا : إن الخط المستقيم أقصر مسافة بين نقطتين ، إن معنى هذا الحكم هو جزمنا بحقيقة وراء تصورنا للحظوظ المستقيمة والنقاط والمسافات والتصديق نتاج فعاليات النفس الباطنية المدركة.
العالم له واقع موضوعي مستقل عن وعينا وذلك اعتقاد فطري ضروري يشترك فيه الجميع، إن انعكاسات المبادئ الرياضية في الذهن البشري لما كانت فطرية وضرورية فهي مضمونة الصحة بصورة ذاتية ، فالحقائق الرياضية ممكنة المعرفة لا لأننا نخلقها بل لأننا نعكسها في علوم فطرية ضرورية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق